التخطيط التربوي
في بداية كل موسم دراسي يطرح السؤال الجديد / القديم من قبل الأساتذة، ما الجديد خلال السنة التربوية الجديدة؟ كيف سيستأنفون عملهم ؟ وبأية وسيلة؟ وما هي العدة الجديدة / القديمة التي سيستعينون بها؟ هل هناك من مستجدات تذكر أم أن رتابة الفصل وبرودة الواقع التربوي تفرض نفسها بإصرار معتاد؟
هذه كلها أسئلة ملحة مع مطلع كل موسم دراسي، ولعل أهم ما في الأمر والذي يستوجب معالجة ملحة هو كيف نخطط لعملنا منذ البداية ، أو ما يسمى في الأدبيات الحالية ببرنامج العمل السنوي والمرحلي. وما يهم الممارس داخل الفصل الدراسي هو التخطيط التربوي للتعلمات سنويا ومرحليا قصد إعداد العدة اللازمة وتهييء الظروف والمناخ المناسب لانطلاق العملية الديداكتيكية داخل الفصل بكل أبعادها وملابساتها الشائكة.
من هذا المنطلق يمكن القول بأن التخطيط التربوي للتعلمات عملية ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها تحت أية ذريعة كيفما كانت، ومن هنا أيضا يمكن طرح السؤال التالي:
- ما الفرق بين استراتيجية التخطيط ، والتخطيط الاستراتيجي على المستوى التربوي؟
فاستراتيجية التخطيط هي تملك الأستاذ تصورا واعتقادا وفكرا واقتناعا قناعة تامة بأهمية التخطيط التربوي كاستراتيجية أي مجموعة خطط وتكتيكات تربوية على مدار السنة والمرحلة ، أي أن لا يباشر الأستاذ عمله ولا يفكر في تخطيط تعلمات التلاميذ إلا إذا كان قادرا وعارفا ومؤمنا بأهمية التخطيط التربوي كعلم من علوم التربية الذي يتزود من ينابيع العلوم النظرية الإنسانية وأهمها علم النفس والبيولوجيا والفلسفة وعلم الإجتماع. واقتناع الأستاذ بفكرة التخطيط الاستراتيجي يجعله بعيدا عن العشوائية والارتجال وقريبا من عقلنة العمل التربوي أي تتحول ممارساته اللاواعية إلى ممارسات واعية تؤطرها حقول علمية نظرية.
بينما التخطيط الاستراتيجي التربوي هو أدوات ووسائل وآليات تخطيطية وهو بهذا المفهوم علم من علوم التربية الذي يزود الدارس والممارس بأدوات ومفاهيم علمية للتنظير والممارسة.
- انطلاقا من هذا الفرق يتبين أن أول شيء ينبغي التفكير فيه هو الاعتقاد أولا بقيمة التخطيط لدى الممارس / الأستاذ . فهو بهذا مؤمن وواع بالدور الذي يلعبه التخطيط الاستراتيجي على مدار السنة لتنظيم وعقلنة الفعل التربوي ، يساعده في ذلك ما يتزود به من معطيات نظرية وعلمية في ميدان علم التخطيط التربوي كأحد العلوم الهامة التي تندرج في إطار علوم التربية.
- فالتخطيط في مفهومه الكلاسيكي هو عمليّة استباقية ومقصودة تقوم على أساس تنظيم المضامين والمحتويات الدراسية المقرّرة من أجل تحقيق أهداف أو إنماء كفايات مستهدفة في مادة دراسيّة ما وفي مستوى معين ، ومن ثمّة تحقيق ملمح تخرّج معلوم profil de sortie) ) في نهاية فترة تعلّم محددة .
وهذا المفهوم الاستباقي يقتضي قسرا أن يكون الممارس واعيا وعارفا بمعطيات علم التخطيط التربوي كاستراتيجية استباقية تخطط للفعل قبل وقوعه. أي يطرح الأستاذ جملة من الأسئلة الاستباقية: ماذا أفعل إذا وجد التلاميذ صعوبة في تملك هذا الدرس أو هذا المفهوم؟ ما الذي ينبغي أن أعده لاستقبال تمثلات المتعلمين؟ كيف أصرف البرنامج في ظل واقع تشخيصي أتبث تباينا رهيبا في مستويات التلاميذ؟ ما الأساليب التقويمية الناجعة انطلاقا من تجربتي؟ كيف أدبر الفوارق الفردية مع تزايد أعداد التلاميذ ؟
ويزداد التخطيط أهمية إذا أقر الممارس وصرح بالنموذج البيداغوجي الذي يقوم بتحقيق الفعل التربوي ، أهو هدفي أم نقل مضامين أم نموذج كفائي؟وهنا يكتسي تخطيط التعلمات وفق المقاربة بالكفايات أهمية كبرى نظرا للسيرورة التي تعتمدها في اكتساب المتعلم للمعارف والمهارات والسلوكات باعتبارها موارد أساسية ، ثم كيفية توظيفها من أجل إيجاد حلول لمشاكل حياتية وذلك بواسطة وضعيات دالة ، محفزة ، معبرة عن اهتمامات ورغبات المتعلم .
- ويعتمد واضعو المناهج التربوية بصفة عامة ثلاثة مستويات :
- مستوى القيم والغايات التربوية: يُحدّد هذا المستوى ملمح التّخرج العامّ في نهاية فترة تعلّم
- مستوى الأهداف والكفايات القابلة للتقويم: ويُحدّد ملمح التّخرج الخاص الذي يهدف إلى إنماء قدرة المتعلّم على حلّ وضعيات مركبة.
- مستوى الموارد: ويُحدّد المعارف والمهارات والمواقف والقيم ... التي ينبغي إرساؤها لدى المتعلّم حتّى يتمكن من حلّ الوضعيّات المقترحة عليه.
- يعتمد المدرّس تنظيم الموارد في تخطيط تعلّم التلاميذ وإرسائها لديهم قصد تحقيق الكفايات المستهدفة ومن ثمّة الاستجابة للغايات والقيم التّربوية.
- ما هي أنواع التّخطيط الممكنة ؟
- التخطيط على المدى البعيد: الّذي يصف، على مدار السنة، تدرج وتسلسل التعلّمات و توقع وسائل التقويم.
- التخطيط على المدى المتوسط (في مستوى مرحلة الكفاية مثلا): ويُحدّد، في حيّز زمني معيّن، مرحلة الكفاية مثلا، كيفيّة استثمار كلّ مرحلة من مراحل التعلّم وفق حاجات المتعلّمين والموارد المُقررة لتلك المرحلة والكفاية المستهدفة...
- التخطيط على المدى القصير: يصف بدقة، في حيّز زمني محدّد، (وحدة تعليميّة، مقطع تعليمي، حصة درس) سير الأنشطة التعليميّة المقترحة على المتعلّمين (مع الأخذ في الاعتبار الأهداف والموارد والكفايات المستهدفة...) والوسائل الديداكتيكية التي سيعتمدها في التعلّم وعدّة التقويم التكويني المُتوخاة.
- كيف نبني تخطيط التعلّم في إطار الواقع الحالي (تبني المقاربة بالكفايات دون القدرة على أجرأتها بعد انحسار بيداغوجيا الإدماج) ؟
- يحسن بالمدرس أن يراعي المبادئ التّالية في بناء تخطيط التعلّم:
- توزيع السنة الدراسيّة إلى أربعة مراحل تتضمن كلّ واحدة منها ستّة أسابيع لتعلّم الموارد مجزّأة وأسبوعين للتقويم والمعالجة والتدرب على الوضعيات المركبة تكون من اختيار الأستاذ وذات أبعاد سياقية محلية مرتبطة ولصيقة بواقع الطفل المعيش. ويُخصص الأسبوع الأول من مفتتح السنة الدراسيّة إلى تشخيص التعثرات ومعالجتها (لنا عودة لهذا الموضوع الهام والمفصلي) . أما الأسبوع الأخير فيُخصص للتقويم الاشهادي .
- إرساء الموارد بكيفيّة تساهم في تحقيق الأهداف ). وذلك بأن يُوفر المدرس قاعدة عريضة من الموارد (recentrage des savoirsيختار المتعلّم الضروري منها لحلّ الوضعيّة المركبة المقترحة عليه (أيُّ الموارد أنسب لحلّ الوضعيّة؟ ...)
- ولحسن تنفيذ واستثمار المبادئ الأساسيّة لبناء التخطيط:
- يستأنس المدرس بالكتاب المدرسي لتحديد الوضعيات الديداكتيكية والوضعيّات التطبيقيّة و وضعيات تقويم الموارد،
- هذه السيرورة ضرورية ، وهي تنقسم إلى فترتين :
- مرحلة الأنشطة الهيكلية : (قاعدة الموارد) وتبدأ من الموارد العريضة التي يكتسبها المتعلم ( شبكة الموارد في المادة والربط يكون بين مضامين درسين منفصلين في الأسبوع الثالث (درسا ....... في الأسبوعين الأول والثاني بمواردهما ) ثم الربط بين الدروس الأربعة المقدمة في درس ........ في الأسبوع السادس ، وفي نفس الوقت يتم الربط والتنسيق بين موارد هذا المكون وموارد المكونات الأخرى مثل ......... لكن هذا الربط بين الموارد لا يعني انتظار أسابيع التوليف الثالث والسادس ولكن ينبغي أن يكون الربط والتوليف سيرورة عملية تصاحب الموارد وفي كل درس أو درسين ، على اعتبار أن لا يتلقى التلميذ الموارد منفصلة وإنما يتم ربطها في كل محطة من المحطات التعلمية ،. لكن هذا المستوى يبقى في حدود هيكلة التعلمات الأساس .
- مرحلة الأنشطة الوظيفية : توظيف المكتسبات خلال أسابيع التقويم والدعم المرحلية أي توظيف المكتسبات خلال
- فترات سابقة قبل أسابيع الدعم في حل مسائل بسيطة ومتنوعة تزداد تركيبا كلما ارتفع مستوى التلاميذ الموردي وكلما كان الأستاذ أكثر احتكاكا بواقعهم وقدرته شخصيا على انتقاء وضعيات دالة يختارها ويبنيها لا يستنسخ الموجودة في بعض المراجع التربوية. أعتقد ان هذه الخطوة لا زالت بعيدة المنال. ويقتصر أساتذتنا على استنساخ بعض التمارين الداعمة الموجودة بالكتاب المدرسي مع كامل الأسف. إذ من المفروض أن يرقى مستوى التلاميذ إلى حل الوضعيات والتمارين المركبة. وهذا يتطلب مستوى عاليا من المعارف لدى التلاميذ وهو غير متوفر حاليا. فيتم العدول عن ذلك والاكتفاء بتمارين مجزأة تعيد الدروس المقدمة في فترات سابقة وتكررها.
عموما فالأستاذ هو مخطط تربوي ولكي يكون مخططا ينبغي أن تكون في ذهنه فكرة التخطيط ويؤمن باستراتيجية التخطيط. وإذا آمن بها يستقي وسائل التخطيط وأدواته من علم التخطيط الاستراتيجي التربوي. ثم ينطلق في تصريف البرنامج الدراسي من خلال تخطيطات مرحلية وسنوية هي ما كان يسمى بالتوازيع الشهرية والسنوية التي لم تكن تراعي البعد المقارباتي والمنهجي في علم التخطيط وتكتفي بالنقل الحرفي والمجزأ لفقرات البرنامج الدراسي بطريقة خطية. ليس إلا.